الأحد 2 نوفمبر 2008

فيلم من المسابقة الدولية
«البيت الأصفر» للجزائري عمر حكار

الواقعي في تجاوره مع الغرائبي والسحري
بالنسبة للجمهور الذي تشكلت ذائقته السينمائية على افلام الحركة الامريكية فإن شريط «البيت الاصفر» للجزائري عمر حكار بطيء وممل بلا شك ولكن جمهور ايام قرطاج السينمائية الذي شاهد الفيلم باعداد كبيرة وصفق طويلا للمخرج خلال عرضه مساء الثلاثاء الفارط احب الفيلم واحس بصدقه واصالته التعبيرية والجمالية.
لم يخضع عمر حكار حكاية الفيلم لمتطلبات سينما الحركة التجارية بل لمقتضيات السرد الفيلمي الذي يتناسب وايقاع المكان وحركة الشخصيات الرئيسية في بيئة جبلية شبه معزولة عن العالم. تبدو احداث الفيلم بسيطة وشديدة الواقعية لكنه فيلم وثائقي يسجل ما وقع من احداث اثر سماع الاب مولود بوفاة ابنه البكر في حادث خلال آدائه الخدمة العسكرية ولكن يكفي ان تنزع القشرة الخارجية لنجد أنفسنا امام بنية حكائية خرافية يتجاور فيها الواقعي مع الغرائبي والسحري. يقاوم «مولود» خبر وفاة ولده بصبر وجلد تعلمه من بيته الجبلية الصعبة في مناطق الاوراس الجزائرية يتحمل مشاق السفر نهارا وليلا بجراره القديم ليحمل جثة ابنه الى مثواها الاخير.... يتوغل المخرج في تفاصيل هذه الاحداث البسيطة لينقل للمشاهد حجم الصبر والمعاناة ولكنه يواجه امرا جديدا لم يجد له حلا... زوجته حزينة تمتنع عن الاكل ويمكن ان تموت حزنا فيسأل في سذاجة الصيدلي عن دواء الحزن فينصحه بأن يدهن جدران المنزل باللون الاصفر لانه يدفع الحزن عن البيت ولكن بلا نتيجة...
يتذكر ان زوجته قد حزنت من قبل على هروب كلبها فيشتري لها واحدا ... غير انها تظل حزينة...
يتذكر ان مما تركه ولده قبل وفاته شريط كاسيت فيديو وحين يشاهده صدفة في احدى المطاعم التي يتعامل، معها يقرر شراء جهازي التلفاز والفيديو ولكنه يتفاجأ وعائلته انهم لا يملكون الكهرباء تسمع الزوجة ان في الشريط صورا لولدها فتقرر الذهاب معه الى مقر الولاية لطلب توفير الكهرباء....
كنت اتوقع شخصيا قفلة موجعة ولكن شيئا من ذلك لم يحدث فقط يوجه سلاما الى افراد عائلته ويعبر عن شوقه اليهم ويقول «باي باي» لاهله ولجمهور الفيلم وايام قرطاج السينمائية....
الشريط يحكي بصدق عن معاناة فئات معزولة ومهمشة ومحرومة من متطلبات الحياة اليومية يحكي عنها دون تعسف ايديولوجي وتلك هي قوته واصالته . لقد عوضت الصورة المسجلة الابن المفقود فلكأنها رسالة ضمنية على ضرورة امتلاك الصورة.... امتلاك السينما التي تؤرخ وتوثّق لليومي وللذاكرة والماضي بما يقوي الهوية والارادة.

الشيحاوي