لذلك ولأسباب مختلفة وعلى خلاف جيراننا المغاربة الذين أنتجوا أفلاما ذات طابع ملحمي وشعبي، فإن السينما التونسية تخلوا من هاتين الفئتين حيث تطغي عليها "سينما المؤلف"، أفلام متنوعة في أغلب الأحيان - إننا لا نجد مثلا أية علاقة بين اختيارات الناصر خمير واختيارات نوري بوزيد الجمالية - إلى درجة أنه وبالرغم من الجو العام وتوارد بعض الخواطر الطبيعي، أصبح من الممكن القول إن كل سينمائي تونسي يمثل مدرسة بمفرده. حرية الاختيار هذه شجعها وجود رقابة سينمائية في تونس (غير الرقابة التلفزية) تعتبر من اكثر الرقابات العربية ليونة : مشاهد تعمد رقابات بعض الدول إلى اقتطاعها عندما يقيض لفيلم تونسي أن يعرض لديها خاصة إذا تعلق الأمر بما يعتبر "عريا" كما في "حلفاوين "، و ما يعتبر "شذوذا" كما في فيلم "ريح السد" أو المعارضة السياسية كما في " صفائح من ذهب" أو السياحة الجنسية كما في "شمس الضباع" أو "بزناس" أو الفقر في الأحياء القصديرية كما في "السيدة" و"عرائس الطين"، أو حق المرأة في حرية جسدها كما في "فاطمة" و"الستار الأحمر"... كل هذه المشاهد قبلتها الرقابة التونسية لضرورتها الدرامية وتمنع في دول عربية أخرى رغم الضرورة السينمائية.
كل هذه العوامل (جمهور سينمائي كثيف وحرية التعبير)، ورفض هيمنة القطاع العمومي ووجود القطاع الخاص، مكنت من بروز منتجين ناشطين رغم صعوبات السوق كأحمد بهاء الدين عطية(سيني تليفيلم) وحسن دلدول (توزة فيلم) وعبد العزيز بن ملوكة (سي تي في )ونجيب عياد (ضفاف للإنتاج) ولطفي العيوني وسلمى بكار ثم درة بوشوشة وإبراهيم لطيف ونجيب بالقاضي ورضا الباهي وغيرهم ممن ساهموا في الوصول إلي العصر الذهبي للإبداع السينمائي التونسي.