أيام قرطاج السينمائية بالسجون
في اقتفاء المعنى
لئن دأبت أيام قرطاج السينمائية في السجون منذ انطلاقتها سنة 2015 على ملامسة المنشود و خلق نتوءات ضوء داخل فضاءات السجون و غرفها الضيقة و سعيها نحو ولوج مساحات عمل أرحب للفنانين, فإن همها أساسا هو البحث عن طرق جديدة غير مطروقة في الشكل و المتن, بحثا عن الممكنات من الرؤيا و الحياة و المعنى
إن سعينا لتأصيل مبدأ حق السجين في الثقافة و الإبداع كان ثمرة عمل دؤوب متعدد الأقطاب الفاعلة في إطار شراكة بين وزارة الشؤون الثقافية و وزارة العدل و إدارة السجون و الإصلاح بالتعاون مع المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب, ما أوجد مساحات أكثر انفتاحا و مناخات حرّة للتعبير و إشاعة ثقافة المواطنة و الأنسنة جاءت نتاج التقاء خيارات تواقة نيّرة بين كل هذه الأطراف
إن صياغة علائق حوار و حرية تعبير بين المتداخلين و المتفاعلين خاصة من مبدعين و صنّاع الفن السابع, و المودعين بالسجن من خلال تجربة عرض لأفلام و الأشرطة السينمائية و النقاشات التي تابعها أكثر من ثمانية ألاف مودع بمختلف سجون الجمهورية التونسية ما مهّد السّبيل للذهاب أبعد في أشغال فعاليات هذه الدورة الاستثناء من أيام قرطاج السينمائية بالسجون. و ذلك بمحاولة تشريك المساجين صلب عملية إنتاج الشريط السينمائي و صناعة الفلم من خلال تركيز ورشات خاصة بالكتابة السينمائية يؤطّرها و يقدمها صنّاع الفن السابع انطلاقا من نماذج لأفلام لافتة طبعت الذاكرة الحيّة لأيام قرطاج السينمائية التي سيتابعها في هذه الدورة أكثر من 12 ألف مودع عبر عروض داخلية وخارجية في خمس وحدات سجنية و إصلاحية بكل من أوذنة _ سليانة _ سيدي بو زيد _ صفاقس _ برج العامري
و لأننا لا نسعى إلا لخدمة واحد من أعظم الفنون وهو فن العيش على الأرض _ و لأننا نعتقد بأن السينما هي فن الممكن و اللاممكن في آن, و فن المفارقة بامتياز, ما بين راهن مثخن موجود و حلم منشود قد يأتي, نأمل أن تعمم هذه التجربة الإدماجية لاحقا على جميع الوحدات السجنيّة بالبلاد التونسية, علّها تكون إشراقة قادم أبهى و وشمة مورقة في الوجدان و المخيال و المعنى
شاهين بالريش