إدريسا وادراوقو مهووس بالصورة فهو رجل مفرط النّشاط ومستتكشف سينمائي من طراز عالي. ولا شيء يؤكّد أنّه سيصبح سينمائيّا ولكنه تمكّن من تحقيق إشعاع دولي، فله اليوم عشرات الأفلام الطّويلة والسلسلات التّلفزية وانتاج مشترك واخراج مسرحي... ولا غرابة، أن تكون مسيرة السينمائي أقدم وأهمّ من مسيرة السينما في بلده، حديث العهد بالميدان.
ولكن إدريسا وادراقو ولد في وقت مناسب حيث كبر مباشرة بعد الاستقلال عندما كان كل شيء ممكن في بلد جيّد... ومثل بعض السينمائيين الآخرين بالبلاد المغاربيّة أساسا أو بالسينغال فقد تمتّع بدراسة السينما في منزله ولكن أيضا في معهد الدراسات السينمائيّة الذي أنشأ سنة إنهاءه لدراساته العليا... فرصة بالنسبة له ستساعده وبفضل مواهبه ونضاليته على أن يكون الفتى الذّهبي للسينما الإفريقيّة. ويتبيّن ذلك حتّى باستقراء اسمه الذي فيه قدره : فوادراوقو هو اسم حصان الأميرة المحاربة ياننقا، أمازون الموسي، حيث ظلّ حصانها الممرّن يمثيّل مفخرة فبساكو : فحل خيل اليانانقا.
لو أن إدريسا لسنوات قليلة بعد ذلك لما تمكّن ربّما مثل الكثير من الشبّان الأفارقة اليوم من مشاهدة شريط واحد في قاعة سينما. ولكن في السّنوات 1960 – 1970 وفي المدينة الصّغيرة الّتي يعيش فيها، في منطقة واهيقويا كانت هناك قاعات سينما وكان ادريسا يتابع بشغف مع أطفال حيّه السينما في قاعات غير مسقوفة إلاّ بجمال اللّيل حيث الدجانقو وغيره من أفلام رعاة البقر التي كانت تبهر حينها المتفرّجين الشبّان...
" لقد كان أيضا، كما يروي أساقفة (كاثوليك) يعرضون حينها أشرطة للأطفال بغاية تنصيرهم. لقد كبرت في هذا المحيط رغم أنّه في السّنة النهائيّة (حيث حصلت على باكالوريا أ-ب اقتصاديّة واجتماعيّة) كانت لديّ رغبة جامحة في دراسة السّينما ولكنّهم وجّهوني إلى كليّة الانقليزيّة ". سبب ذلك أنّ الدّراسات السينمائيّة لم تكن موجودة بعد في فولتا العليا (الإسم القديم لبوركينا فاسّو)...
- ثاني ضربة حظّ بالنسبة للشاب: عندما كان من المفترض أن يتابع دراساته في الأنقليزيّة بجامعة واقادوقو، بعثت سنة 1976 أوّل مؤسسة لتكوين المحترفين في السينما والتّلفزة في القارّة الإفريقيّة. وللأسف فإنّ هذه المؤسّسة لم تعش إلاّ لمدّة قصيرة لم تتجاوز بعض الدّفعات.. وكان إدريسا من الدّفعة الأولى وتخرّج بامتياز سنة 1981.
- ثالث ضربة حظّ : المكانة المميّزة لبلده وسط السّينما الإفريقيّة. ففولتا العليا أكسبت قاعات السينما مواطنتها في 1970. وأنشأت الفيساكو منذ 1979. وكانت واقادوقو بدون منازع إذن عاصمة السينما في افريقيا جنوب الصّحراء. لقد كانت قاعات السّينما سواء منها المكيّفة أو تلك المفتوحة على اللّيل تعرض أشرطة متزامنة وكلّ نشرية للففسباكو كانت مناسبة للقاءات بين السّينمائيين من مختلف البلدان الإفريقيّة مع الجمهور حول " آلهة السينما ".
لقد كانت السّنوات الكبرى للسينما الإفريقيّة. فكانت الأجيال الأولى من السينمائيين من بينهم صمبان عصمان، جبريل ديوب مامبيتي ولكن أيضا السينمائيين المغاربة ومن البلدان السّينمائية.
(أنغولا والموزمبيق ومدغشقر)
وكانوا يلتقون في واقا – حينها كان الشاب إريسا يواكب بشغف عروض الفسباكو فيلتهم الأفلام وكلّه اعجاب بأشرطة مدّ سبقوه مبهور بتصويرهم وكلّه آذان صاغية للنقاشات التي تنظّم كلّ يوم في نزل الاستقلال.
طبعا هي فرصة كبرى لشاب أبدى حبّ إطّلاع كبير ورغبة جامحة في التصوير وقدرات هامّـة ساعدته على أن يصل إلى ما عليه اليوم كسينمائي.
ومنذ شريطه الأوّل أبدى إدريسا نظرة مميّزة وطريقة خاصّة له ذات طابع افريقي* (1)سواء أثناء التصوير أو في وصفه الدقيق لمجتمعه من خلال شكل في المتناول وهنا تظهر رغبته في توثيق المهن الصغرى للحرفيين خاصّة تلك التي خصّص لها أشرطته القصيرة الأولى.
أنتدب كموظف في إدارة الإنتاج السينمائي فأنتج أفلاما صغيرة تربويّة قبل تصوير شريطه القصير الأوّل "بوكو" يقول السينمائي : " في البداية كان بودّي انجاز أشرطة إجتماعيّة - تربويّة، لكن في إطار معيّن، ولسينما متجوّلة أنجزت أفلاما قصيرة لدقائق معدودة حول مسائل محسوسة : كيف نصفّي المياه مثلا – لكن دوما يهاجس السّينمائي ففي هذا البلد ذو اللّغات المتعدّدة بدا لي ضروريّا أن تكون هذه الأفلام الصّغيرة، التي أسمّيها "وثائقيّة روائيّة" وتكون ذات مصداقيّة كبرى تصل فقط عبر الصّورة ". لقد كان دائم التفكير في الجمهور المتقبّل فكان ذلك هاجسه في كلّ أعماله السينمائية.
إلاّ أنّ إدريسا لم يقف هنا إذ يقول : لقد ذهبت إلى الإتحاد السّوفييتي لدراسة السّينما لأنّ صمبان عصمان الذي كان مثلي الأعلى درس بمعهد قوركي بموسكو. أردت أن أتبع خطاه لأنّني إلتقيته في فسبا كو قوركي بموسكو. أردت أن اتبع خطاه لأنّني التقيته في فسيا كو سنة 1981 أين تحصّل فيلم بوكو على الجائزة الكبرى للأفلام القصيرة.
1- على طريقة جبريل ديوب مامبتي أراد أن يبيّن أنّه سينمائي افريقي.
وبالتالي ذهبت إلى الإتحاد السّوفييتي ثمّ ولأسباب شخصيّة انتقلت إلى باريس أين درست بمعهد الدّراسات العليا السينمائية وفي الصّوربون أين اكتشف نوعا جديدا من السينما إنّها الكلاسيكيّات السّوفياتيّة الأوروبيّة والسينما الأميركيّة الهامّة ممّا أتمّ تكوينه في الصّورة دون أن يفقد شيئا من عالمه. أنجز شريطه الرّوائي الطّويل سنة 1986 : " الاختيار". تمّ اختياره في الفيساكو سنـــــة 1986 وتحصّل على جائزة جورج صادول في فرنسا وعرض في أسبوع النقد في مهرجان "كان" سنة 1987 - يعرض الشّريط مصير عائلة فلاّحين من موسي الذين تعبوا من انتظــــار المساعدات الأمميّة فقرّرت أخذ مصيرها بيدها.
عنــوان وقصّة معبّرين لبداية مسيرة.
فمنذ بداياته مع الأشرطة الطّويلة، وفي ظرقية أزمة هوية بالنسبة للسينمائيين الأفارقة لم يتوقّف إدريسا عن التّصوير وخطّ طريقه لينال سريعا التّتويج دوليّا.
شريطه الطويل الثاني " الجـدّة " أختير من طرف لجنة الـ 15 مخرجا " بكان " سنة 1989 وحصل على جائزة النّقد الدّولي وعلى 3 جوائز أخرى منها جائزة النّقد الدّولي وعلى 3 جوائز أخرى منها جائزة اللّجنة بفسباكو.
أمّا شريطه الثّالث تيلايي فقد حصل على الجائزة الكبرى للجنة مهرجان " كان " سنة 1990. علما وأنّه حينها قليلة هي الأفلام الافريقيّة التي تحصل على تتويج في مهرجان "كان " ولم يحصل قبله على جوائز إلاّ لخضر حامينا ( السّعفة الذّهبيّة ) وسليمان سيسي.
كما توّج الفيلم أيضا في بوركينا حيث حصل على الجائزة الذّهبيّة في ياننقا في فساكو ممّا شجّع المخرج على مواصلة طريقه الاستكشافي. كما حصل فيلمه الموالي "صامبا تراوري" وهي فيلم حضري على طريقة الوستيرن البوليسي على التانيت الفضّي في قرطاج والدبّ الفضّي في مهرجان برلين.
ورغم أنّ كلّ شريط من أشرطته كان مرحلة في طريق الاعتراف الدّولي إلاّ أنّ وادراوقو كان متجذّرا في موطنه قلبا وقالبا. لقد اكتسح في البدايات المناطق القريبة التي يعرف جغرافيتها جيّدا من جهة اوهيقويا حيث صوّر أوّل أفلامه وهي مجالات ثقافيّة وفكريّة في إطار اجتماعي وسياسي يعرفه أيضا بشكل جيّد.
وبحثا منه التجاوز، دون انقطاع، أو لتجربة شيء جديد فانّه لا يعيد صوره وشخصيّاته مرّتين في نفس المكان، وبعد اكتساح المجالات القريبة : البلدة، القرية والمدينة الإفريقيّة فقد حقّق رحلات عبر الأصناف السينمائية والأشكال الفنيّة والمجالات الجغرافيّة.
لقد استثمر أماكن جديدة : مدينة فرنسية (صيحة قلب) أو افريقيا الأنقلوفونية الزّمبابوي في حالة كيني وآدامس.
لقد كانت أشرطة في شكل محاولات فنيّة وذات محاور رائعـة.
لكن للأسف لم يع النقــاد الغربيّون أهمّية هذين الفيلمين الأخيرين وميزتهما وخصوصيتهما ممّا أثّر في نجاحهما الجماهيري وبالتّالي في امكانيّات تمويل مشاريع جديدة أكثر طموحا.
يقول إدريسا : " صحيح أننا جميعا وفي السينما الإفريقيّة نكون كتاب ومنتجين ومخرجين في نفس الوقت لأنّه لكي تجد منتجا لا بدّ أن تعجبه القصّة في حين أنّه ليس لدى الأوروبيين نفس الأمور العاجلة ونفس القيّم الإجتماعية التي لدينا.
وما يبدو لنا مهمّا جدّا قد لا يبدو لهم كذلك، في حين أنّ الشريط إنّما هو نتاج ثقافي : إنّه صورة لثقافة الشّعوب وحضارتهم وبالتالي إذا لم يكن النّاس مهتمين برواياتنا فلا يمكننا تحشيدهم.
نفس الأمور العاجلة ونفس القيّم الإجتماعية التي لدينا. وما يبدو لنا مهمّا جدّا قد لا يبدو لهم كذلك، في حين أنّ الشريط إنّما هو نتاج ثقافي : إنّه صورة لثقافية الشّعوب وحضارتهم وبالتالي إذا لم يكن النّاس مهتمين برواياتنا فلا يمكننا تحشيدهم.
لا شيء كان بامكانه إيقاف سباق إدريسا الذي ظلّ يتقصّى أنواعا وأشكالا فنيّة كالوثائقي (واقادوقو، واقا عجلتان، افريقيا افريقيقين ) والأفلام الرّوائيّة والمسرح حيث كان ضيفا كوميديا الفرنسيّة كما ظلّ يتنقّل سعيدا من نوع فني إلى آخر ككاتب سيناريو ومخرج ومنتج.
وإن كان قد اتجه إلى التلفزة فذلك لأنّه ارتأى أنّها وسيلة جيّدة تمكّنه من التأثير في جمهوره ولوضع أسس لصناعة سينمائية حقيقية بتكوين مخرجين وممثّلين وتقنيين محترفين بفضل سلسلات تلفزيّة من اخراجه ) كريم ناسالا، كادي جميلة ) أو من إخراج غيره مثل أبولين تراوري وعيسى تراوري (ثلاثة رجال وقرية).
وفي بحثه عن أشكال جديدة قرّر إدريسا أن يجسّد الفكرة التي في رأسه وهي الاتجاه إلى التحريك، شكل لم يجرّبه إلاّ في شريطه القصير " الأرينلوك".
على الرّغم من قيمة الحكايات التي يرويها وعمقها الاجتماعي الحقيقي وتناقضاتها فانّ إدريسا يستهويه بعمق البشر الذين يسكنونها والأحاسيس التي تحرّك هذه الشّخصيات بدءا من الكوميديا الأخلاقية في " يابا" إلى الأفلام الاجتماعيّة في " يام دالبو" و "تيلاي " إلى أفلام رعاة البقر والبوليسيّة (تسمبا تراوري ) إلى الكوميديا (كيني وآدامس) أو الفيلم التاريخي إنّ المحرّك الأساسي لأفلامه هو هذه الأحاسيس وفي مقدّمتها الصّداقة ( مثلما هو الحال في حياته) إنّها الصّداقة التي تجمع الأطفال بالعجوز في " الجدّة "، وأيضا الصّداقة التي ولدت بين الطفل المنفي والفرنسي في فيلم صرخة قلب، الصّداقة المعذورة من خلال شحضي كيني وآدامس.
كما اهتمّ الرّجل بالحب الذي هو المعنى العميق للصّداقة والوفاء، ولهذا نجده يساعد جبريل ديوب ماميبتي الذي يعجبه كثيرا فسمح له بتصويره أثناء تصوير انجاز فيلمه " الجدّة " فكان فيلمه " لنتتحدّث مثل الجدة " الذي سمح للسّينمائي السينغالي بالعودة للأضواء السينمائية.
ورغم المصاعب التي واجهها إدريسا وادراوقوفي مسيرته كمنتج أحيانا إلاّ أنّه اهتمّ دوما بجودة أعماله المنتجة للجمهور.
"إنّ الشيء الوحيد الذي لا يمكن سحبه من انسان هو قدراته في ممارسة مهنته. ولهذا تجدني حريصا دوما على جودة أعمالي، أنا رجل بسيط ولكنّي لا أقدّم إلاّ الأعمال الجيّدة، والبساطة في نظري صفة جدّ مهمّة لأنّ مهمّتنا هي الحديث عن مجتمعنا لكن ما لم نكن مشبعين بهذا المحيط فلا أعتقد أنّنا سننجح في ذلك كلّ ما في الأمر أنّني رجل حرّ ".
كاتــرين رويــال
- بوركينافاسو ( 1986 )
- بوركينافاسو ( 1989 )
- بوركينافاسو ( 1990 )
- بوركينافاسو ( 1992 )
- بوركينافاسو ( 1995 )
- بوركينافاسو ( 1997 )
- بوركينافاسو ( 2003 )